الهجرة إلى الغرب- حلم الإبداع أم خطر التطرف والإجرام؟

المؤلف: حمود أبو طالب10.26.2025
الهجرة إلى الغرب- حلم الإبداع أم خطر التطرف والإجرام؟

لطالما كانت الدول الغربية ملاذاً آمناً، ووجهةً ساميةً لأصحاب الطموحات الخلاقة والمواهب الاستثنائية، أولئك الذين لم يسعفهم الحظ في أوطانهم الأصلية لتحقيق آمالهم العريضة في التفوق والتميز العلمي والثقافي والفني. فلطالما كانت الجامعات والمعاهد الغربية المرموقة، وما توفره من مساحات واسعة للإبداع، إضافة إلى التشجيع السخي والدعم اللامحدود، والإمكانات الهائلة، كلها عوامل جاذبة لهجرة العقول النيرة التي وجدت في تلك البلدان محفزاتٍ قويةً للإبداع والابتكار. هكذا كان الوضع سائداً منذ فجر النهضة العلمية الغربية، حيث استقطبت تلك الدول أعداداً غفيرةً من المبدعين من مختلف الدول النامية، وتمكن بعضهم من الوصول إلى أعلى مراتب الشهرة والتقدير، بفضل إسهاماتهم القيمة التي أثروا بها الإنسانية في شتى المجالات وميادين المعرفة.

لكن هذا الوضع المثالي بدأ يشهد تغيراً ملحوظاً في العقود الأخيرة، حينما أخذت تلك الدول تفتح أبوابها على مصراعيها للمارقين عن القيم والأعراف، والخارجين عن القانون، وأصحاب الأفكار الشاذة والمضطربة، والمرضى النفسيين والمعتلين عقلياً، الذين يشكلون خطراً داهماً على أي مجتمع يستضيفهم، وخاصةً أولئك الذين يعتنقون الآيديولوجيات المتطرفة، سواء كانت ذات طابع ديني أو فكري، والذين وصل بهم التعصب والهوس إلى حد ارتكاب جرائم مروعة وشنيعة في الدول التي آوتهم ووفرت لهم المأوى، ولا شك أن حادثة ماغديبورغ المأساوية في ألمانيا لن تكون الأخيرة في سلسلة الأحداث المؤسفة، طالما استمرت تلك الدول في سياسة التساهل والتسامح المفرط مع هذه النماذج الخطرة التي تهدد أمن واستقرار المجتمعات.

إن مسألة حرية التعبير التي يتذرع بها هؤلاء المارقون، وتعتبرها تلك الدول مبرراً ومنطلقاً لقبولهم ودمجهم في مجتمعاتها، ما هي إلا حجة واهية وذريعة متهافتة لا أساس لها من الصحة؛ إذ أن هناك فرقاً شاسعاً وبوناً كبيراً بين حرية التعبير البناءة التي تهدف إلى الإصلاح الحقيقي والتقدم المنشود وفقاً للقوانين والأنظمة المرعية، وبين محاولات التخريب والتحريض والممارسات التي تندرج ضمن الأفعال والأعمال المرفوضة قانونياً واجتماعياً، والتي من شأنها زعزعة الأمن والسلم المجتمعي، أو التي قد ينطبق على بعضها تعريف الإرهاب الذي يستهدف الأبرياء. فأمثال هؤلاء الأشخاص يقومون بتضليل وتغرير تلك الدول بادعاءات كاذبة ومزاعم باطلة، ويستغلون التراخي والثغرات الموجودة في قوانينها وأنظمتها، كي يتم منحهم حق اللجوء والإقامة، ثم يبدأون بعد ذلك في التخطيط لجرائمهم الشنيعة وتنفيذ مخططاتهم الإجرامية. والأمر الذي يثير الدهشة والاستغراب، أن تلك الدول التي تستضيف هؤلاء المجرمين لا تولي أي اهتمام أو اعتبار للمعلومات الهامة التي تزودهم بها الدول التي أتوا منها عن حقيقة أمرهم، وجوهر خطرهم، وأنهم في حقيقة الأمر أصحاب أفكار فاسدة ومنحرفة، وقنابل موقوتة ستنفجر يوماً ما لتدمر كل شيء. بل إنها لا تأخذ على محمل الجد التهديدات المبطنة والصريحة التي يطلقونها وينشرونها في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، ومثال على ذلك ما حدث مع مرتكب حادثة الدهس الأخيرة، الذي قامت حكومة المملكة بالتحذير من خطورته وإبلاغ السلطات الرسمية في ألمانيا عن المنشورات والتهديدات التي كان يكتبها وينشرها على الملأ، ولكنهم لم يحركوا ساكناً ولم يتخذوا أي إجراء وقائي حتى وقعت الجريمة البشعة وراح ضحيتها عدد كبير من الأبرياء.

لقد أصبحت المدن الغربية تعج بالهاربين والفارين من العدالة الذين يرفعون لافتة وشعار كاذب ومضلل، وهو الاضطهاد في بلدانهم وقمع حرياتهم ومنعهم من حرية التعبير والرأي والمعتقد، وهم في حقيقة الأمر مشاريع إجرامية جاهزة ومنفلتة تسعى إلى الخراب والدمار، وحين يتم التعاطف معهم هناك ومنحهم حق اللجوء والإقامة فإن حكومات تلك الدول بذلك تهدد أمنها واستقرار مجتمعاتها، وهذا ما تم التحذير منه مراراً وتكراراً وتكراره على مسامعهم، ولكنهم لا ينتبهون ولا يعون خطورة الأمر إلا بعد وقوع الكارثة وحدوث الفاجعة، وإذا لم يتم إجراء مراجعة شاملة وتعديل جذري لقوانينهم المتعلقة باللجوء فإنهم لن يكونوا في مأمن من المفاجآت المزعجة والأحداث المؤلمة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة